.๑. My SMS .๑.

(فاستبقوا الخيرات)ينبغي للإنسان أن يسارع في الخيرات، كلما ذُكر له شيء من الخير بادر إليه لأن الإنسان لا يدري فربما يتوانى في شيء ولا يقدر عليه بعد ذلك إما بموت أو مرض أو فوات أو غير هذا ، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواما في مؤخرة المسجد لم يسبقوا ولم يتقدموا فقال "لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل "وكم من إنسان توانى ففاته خير كثير،فانتهز الفرصة واسبق إلى الخير../شرح رياض الصالحين لابن عثيمين

 

الأحد، 23 يناير 2011

وقفات مع شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب





ـ ورد في الحديث كفارات للذنوب ، أولها : ( إسباغ الوضوء في الكريهات )فالوضوء من أسباب تكفير الذنوب وقد دلّ القرآن على تكفيره الذنوب في قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قُمْتُم إلى الصلاةِ فاغسِلوا وُجوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وامسحوا برؤوسِكُمْ وأرجُلَكُمْ إلى الكعبين ) إلى قوله : ( ما يُريدُ الله ليجعلَ عليكم من حَرَجٍ ولكن يُريدُ ليُطَهِّرَكم وليُتِمَّ نعمتَهُ عليكُم )فقوله تعالى ( ليُطَهِّركُم ) يشمل طهارة ظاهر البدن بالماء، وطهارة الباطن من الذنوب والخطايا، وإتمام النعمة إنما يحصل بمغفرة الذنوب والخطايا وتكفيرها، كما قال تعالى لنبيه: ( ليغفرَ لك الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر ويُتِمَّ نعمتَه عليك ).
وقد استنبط هذا المعنى محمد بن كعب القرظي، ويشهد له الحديث الذي خرجه الترمذي وغيره عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو، يقول : اللهم إني أسألك تمام النعمة. فقال له : "أتدري ما تمام النعمة ؟ ". قال :دعوةٌ دعوت بها، أرجو بها الخير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن تمام النعمة: النجاة من النار، ودخول الجنة ".فلا تتم نعمة الله على عبده إلا بتكفير سيئاته.
وقد تكاثرت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتكفير الخطايا بالوضوء كما في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه أنه توضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
وقد وردت النصوص أيضاً بحصول الثواب على الوضوء، وهذا زيادة على تكفير السيئات به: ففي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله"، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".وفيه أيضاً: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
وفيه أيضاً: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم الغرّ المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء".


وقوله ( إسباغ الوضوء في الكريهات ) فيه أمران :
أحدهما : إسباغ الوضوء، وهو إتمامه وإبلاغه مواضعه الشرعية كالثوب السابغ المُغطي للبدن كله ، وفي مسند البزّار عن عثمان مرفوعاً: " من توضأ فأسبغ الوضوء غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". وإسناده لا بأس به، وأخرجه ابن عاصم من وجهٍ آخر عن عثمان.
وخرج النسائي وابن ماجة من حديث أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان"، وخرجه مسلم، ولفظه : "الطهور شطر الإيمان".
وثانيهما : أن يكون إسباغه على الكريهات، والمراد أن يكون على حالةٍ تكره النفس فيها الوضوء، وقد فسر بحال نزول المصائب فإن النفس حينئذ تطلب الجزع فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان كما قال عز وجل: ( استعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين ) وقال تعالى ( يا أيُّها الذين آمنوا استعينوا بالصبرِ والصلاةِ إن الله مع الصابرين ) .

والوضوء مفتاح الصلاة، وقد يطفأ به حرارة القلب الناشئة عن ألم المصائب، كما يؤمر من غضب بإطفاء غضبه بالوضوء. وأما إن كان ناشئاً عن فعل هو طاعة لله فإنه يكتب لصاحبه به أجر، وترفع به درجاته كالألم الحاصل للمجاهد في سبيل الله تعالى. وكذلك ألم الجوع والعطش الذي يحصل للصائم، فكذا التألم بإسباغ الوضوء في البرد. ويجب الصبر على الألم بذلك، فإن حصل به رضىً فذلك مقام خواص العارفين المحبين.

ـ ولكن كيف ينشأ الرضى بذلك ؟
ينشأ الرضى بذلك عن ملاحظة أمور:
ـ أحدها : تذكر فضل الوضوء من حطّه الخطايا، ورفعه للدرجات وحصول الغرّة والتحجيل به، وبلوغ الحلية في الجنة إلى حيث يبلغ، وهذا كما انكسر ظفر بعض الصالحات من عثرةٍ عثرتها فضحكت وقالت: أنساني حلاوة ثوابه مرارة وجعه.
ـ وقال بعض العارفين: من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال.

ـ الثاني : تذكر ما أعده الله عز وجل لمن عصاه بالبرد والزمهرير، فإن شدة برد الدنيا يذكر بزمهرير جهنم، وفي الحديث الصحيح : "إن أشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم" . فملاحظة هذا الألم الموعود يهوّن الإحساس بألم برد الماء كما روي عن زُبيد اليامي أنه قام ليلة للتهجد، وكان البرد شديداً، فلما أدخل يده في الإناء وجد شدة برده فذكر زمهرير جهنم فلم يشعر ببرد الماء بعد ذلك، وبقيت يده في الماء حتى أصبح، فقالت له جاريته: مالك لم تصل الليلة كما كنت تصلي؟!. فقال: إن لما وجدت شدة برد الماء ذكرت زمهرير جهنم فما شعرت به حتى أصبحت، فلا تخبري بهذا أحداً ما دمت حياً.ـ الثالث : ملاحظة جلال من أمر بالوضوء، ومطالعة عظمته وكبريائه، وتذكر التهيؤ للقيام بين يديه ومناجاته في الصلاة فذلك يهون كل ألم ينال العبد في طلب مرضاته من برد الماء وغيره، وربما لم يشعر بالماء بالكلية كما قال بعض العارفين: بالمعرفة هانت على العاملين العبادة.
كان علي بن الحسين إذا توضأ اصفرّ، فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء ؟!. فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم له؟.
ـ الرابع : استحضار اطلاع الله عز وجل على عبده في حال العمل له، وتحمل المشاق لأجله، فمن تيقنّ أن البلاء بعين من يحبه هان عليه الألم كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( واصبر لحُكمِ ربِّكَ فإنَّكَ بأعْيُنِنا ) فإسباغ الوضوء في البرد لا سيما في الليل يطلع الله عليه، ويرضى به، ويباهي به الملائكة، فاستحضار ذلك يهون ألم برد الماء .ـ الخامس : الاستغراق من أمر بمحبة هذه الطاعة، وأنه يرضى بها ويحبها كما قال تعالى ( إنَّ الله يُحِبُّ التَّوابينَ و يُحِبُّ المُتطهِّرينَ ) ، فمن امتلأ قلبه من محبة الله عز وجل أحب ما يحبه وإن شق على النفس وتألمت به، كما يقال: المحبة تهوّن الأثقال. وقال بعض السلف في مرضه: أحبه إليّ أَحبه إليه؟


السبب الثاني من مُكفِّرات الذنوب: - المشي على الأقدام إلى الجماعات وإلى الجمعات -ولا سيما إن توضأ الرجل في بيته ثم خرج إلى المسجد لا يريد بخروجه إلا الصلاة فيه كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "صلاة الرجل في الجماعة تَضْعُف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسةً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاّه: "اللهم صلي عليه، اللهم ارحمه"، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة".
ـ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه : إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة".
ـ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة".
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.
ـ فالمشي إلى الجمعات له مزيد فضل، لا سيما إن كان بعد الاغتسال، كما في السنن عن أبي أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة: صيامها وقيامها".
وكلما بعُد المكان الذي يمشي منه إلى المسجد كان المشي منه أفضل لكثرة الخطا، وفي صحيح مسلم عن جابر قال: كانت دارنا نائية عن المسجد، فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقرب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "إن لكم بكل خطوة حسنة "
ـ وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء. فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد جمع الله لك ذلك كله".
ـ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً " .
وإنما ثقلت هاتان الصلاتان على المنافقين لأن المنافق لا ينشط للصلاة إلا إذا رآه الناس كما قال تعالى: ( وإذا قامُوآ إلى الصلاةِ قاموا كُسالى يُرآءون الناسَ ولا يذكُرُونَ الله إلا قليلاً) وصلاة العشاء والصبح يقعان في ظلمةٍ، فلا ينشط للمشي إليهما إلا كل مخلص يكتفي برؤية الله عز وجل وحده لعلمه به.
ـ وثواب المشي إلى الصلاة في الظُّلَم : النور التام في ظلم يوم القيامة كما في سنن أبي داود والترمذي عن بُريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بَشِّر المشَّائينَ في الظُّلَم إلى المساجدِ بالنُّورِ التّام يومَ القيامة" وخرجه ابن ماجة من حديث سهل بن سعد، وقد رُوي من وجه كثيرة. وفي بعضها زيادة: "يفزع الناس ولا يفزعون".ـ قال النخعي: وكانوا يرون أن المشي في الليلة الظلماء إلى الصلاة موجبة. يعني توجب المغفرة. وروينا عن الحسن قال: أهل التوحيد في النار لا يُقيدون، فيقول الخزنة بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء لا يقيدون وهؤلاء يقيدون؟! فيناديهم منادٍ: إن هؤلاء كانوا يمشون في ظلم الليل إلى المساجد.
ـ كما أن مواضع السجود عن عصاة الموحدين في النار لا تأكلها النار، فكذلك الأقدام التي تمشي إلى المساجد في الظلم لا تقيد في النار، ولا يسوي في العذاب بين من خدمه وبين من لم يخدمه وإن عذبه:
ومَنْ كانَ في سُخطه محسناً *** فكيف يكونُ إذا ما رضي؟!
ـ فإذا اجتهد العبد على تكميل طهارته ومشيه إلى المسجد ولم يقوَ ذلك على تكفير ذنوبه فإن الصلاة يكمل بها التكفير، كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ ". قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".
ـ وإن قوي الوضوء وحده على تكفير الخطايا فالمشي إلى المسجد والصلاة بعده تكون زيادة حسنات، وهذا هو المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان والصُّنابحي: "...وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة"، وقد سبق ذكر الحديثين.



ـ ولكن هل المراد بالتكفير تكفير جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ؟
اعلم أن جمهور العلماء على أن هذه الأسباب كلها إنما تكفر الصغائر دون الكبائر، وقد استدل بذلك عطاء وغيره من السلف في الوضوء، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: الوضوء يكفر الجراحات الصغار، والمشي إلى المسجد يكفر أكثر من ذلك، والصلاة تكفر أكثر من ذلك. خرجه محمد بن نصر المروزي.
ويدُلّ على أن الكبائر لا تكفر بذلك ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتُنِبَت الكبائر".
ـ وفي صحيح مسلم عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها وسجودها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله".
ـ فانظر إلى كم تُيَسر لك أسباب تكفير الخطايا لعلك تطهر منها قبل الموت فتلقاه طاهراً، فتصلح لمجاورته في دار السلام، وأنت تأبى إلا أن تموت على خبث الذنوب فتحتاج إلى تطهيرها في كير جهنم.
يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟! فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غداً فطهر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا ( يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنُونَ إلا مَنْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ ) ، القلب السليم الذي ليس فيه غير محبة الله، ومحبة يحبه الله، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً،

السبب الثالث من مكفرات الذنوب : - الجلوس في المساجد بعد الصلوات -
والمراد بهذا الجلوس انتظار صلاة أخرى كما في حديث أبي هريرة: "... وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل.
ـ وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ، تُصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم، وهو في الرباط الأكبر".
ـ وكذلك الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصةً فهو في صلاة حتى يصلي، وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أخّر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم : قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة".
ـ ويدخل في قوله: "والجلوس في المساجد بعد الصلوات": الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيهٌ بمن جلس ينتظر صلاة أخرى، لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى.ـ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الملائكة تصلي عل أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة". وفي رواية لمسلم: "ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه". والمراد بالحدث: حدث اللسان ونحوه، وفسره أبو هريرة بحدث الفرج، وقيل إنه يشمل الحدثين.
أخي هل تفكرت لِمَ كانت ملازمة المسجد مكفرةًً للذنوب ؟
وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأن فيه مجاهدة للنفس، وكفّاً لها عن أهوائها فإنها لا تميل إلا إلى الإنتشار في الأرض لابتغاء الكسب أو لمجالسة الناس ومحادثتهم أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النّزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد. وهذا الجنس أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه، فكيف بما كان حاصلاً عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله عز وجل ؟! فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها.





الأمر الثاني مما يختصم فيه الملأ الأعلى هو : ( الدرجات )
وهي ثلاث : أولها : إطعام الطعام
وقد جعله الله في كتابه من الأسباب الموجبة للجنة ونعيمها، قال الله عز وجل: ( ويُطعِمون الطعامَ على حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" إنَّما نُطْعِمُكُم لوجهِ الله لا نُريدُ منكم جزآءً ولا شُكوراً" إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عبوساً قَمطريراً" فوقاهُمُ الله شرَّ ذلك اليومِ ولقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً" وجزاهُم بما صَبروا جنَّةً وحريراً ) إلى قوله تعالى (وسقاهم ربُّهم شراباً طَهُوراً) فوصف فاكهتهم وشرابهم جزاءً لإطعامهم الطعام.
ـ وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأٍ سقاه الله من الرحيق المختوم".
ـ وفي المسند والترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها".
قالوا: لمن هي يا رسول الله ؟. قال : "لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام".
ـ فإطعام الطعام يوجب دخول الجنة، ويُباعد من النار ويُنجي منها كما قال تعالى : ( فلا اقْتَحَمَ العَقَبةَ *ومآ أدْراك ما العقبةُ" فَكُّ رقَبةٍ *أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسْغَبةٍ * يتيماً ذا مقربةٍ *أو مِسكيناً ذا مَتربةٍ).
ـ وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
ـ وكان أبو موسى الأشعري يقول لولده : "اذكروا صاحب الرغيف".
ثم ذكر أن رجلاً من بني إسرائيل عبدَ الله سبعين سنة، ثم إن الشيطان حسَّن في عينيه امرأة فأقام معها سبعة أيامٍ، ثم خرج هارباً فأقام مع مساكين فتُصُدِّق عليه برغيف كان بعض أولئك المساكين يريده، فآثره به ثم مات، فوِزن عبادته بالسبعة الأيام التي مع المرأة فرجحت الأيام السبعة بعبادته، ثم وُزن الرغيف بالسبعة الأيام فرجح بها.

ـ ويتأكد إطعام الطعام للجائع وللجيران خصوصاً، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعهد جيرانك".
ـ وفي المسند وصحيح الحاكم عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما أهل عرضه أصبح فيهم امرؤٌ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل ".
ـ وأفضل أنواع إطعام الطعام : الإيثار مع الحاجة كما وصف الله تعالى بذلك الأنصار رضي الله عنهم فقال ( ويُؤثِرونَ على أَنْفُسِهم ولو كانَ بهمْ خَصَاصَةٌ ) وقد صح أن سبب نزولها أن رجلاً منهم أخذ ضيفاً من عند النبي صلى الله عليه وسلم يُضيفه، فلم يجد عنده إلا قوت صبيانه، فاحتال هو وامرأته حتى نوّما صبيانهما، وقام إلى السراج كأنه يصلحه فأطفأه، ثم جلس مع الضيف يريه أنه يأكل معه ولم يأكل، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : "عجب الله من صنيعكما الليلة". ونزلت الآية
ـ وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ويُصبح صائماً، منهم عبد الله بن عمررضي الله عنهما وداود الطائي، وعبد العزيز بن سليمان، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل وغيرهم. وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.
ـ ومنهم من كان لا يأكل إلا مع ضيف له، قال أبو السوار العدوي : كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه.
ـ وكان منهم من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم ، منهم الحسن وابن المبارك، وكان ابن المبارك ربما يشتهي الشيء فلا يصنعه إلا لضيف ينزل به فيأكله مع ضيفه ، وكان كثير منهم يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين .

* الثاني من الدرجات : لين الكلام وفي رواية: "إفشاء السلام".وهو داخل في لين الكلام ، وقد قال الله عز وجل : ( وقُولوا للناس حُسناً ) وقال تعالى ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ ) وقال تعالى ( وجادلهم بالتي هي أحسنُ ) .
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" قالوا له : وما الحج المبرور يا رسول الله ؟ قال : "إطعام الطعام، ولين الكلام". خرجه الإمام أحمد .
ـ وقد تقدم في ذكر إطعام الطعام أحاديث أخر في طيب الكلام، وفي حديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "والكلمة الطيبة صدقة"، وفيه أيضاً: "اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة".
ـ وأما إفشاء السلام فمن موجبات الجنة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم".
ـ وخرّج أبو داود من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام".
ويروى من حديث ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً: "إذا مرّ الرجل بالقوم فسلّم عليهم فردّوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم بالسلام، وإن لم يردوا عليه ردّ عليه ملأٌ خير منهم وأطيب".
ـ وقد وصف الله عز وجل في كتابه أهل الجنة بمعاملة الخلق بالإحسان بالمال واحتمال الأذى، فقال تعالى : ( وسارعوآ إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجَنَّةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعِدَّتْ للمتقين *الذين يُنفقون في السرَّآء والضرَّآء والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناسِ والله يُحِبُّ المُحسنين) ، فالإنفاق في السراء والضراء يقتضي غاية الإحسان بالمال من الكثرة والقلة، وكظم الغيظ والعفو عن الناس يقتضي عدم المقابلة على السيئة من قول وفعل، وذلك يتضمن إلانة القول، واجتناب الفحش والإغلاظ في المقال ولو كان مباحاً، وهذا نهاية الإحسان، فلهذا قال تعالى: (والله يحبُّ المحسنين ).ـ ومما يُندب إلى إلانة القول فيه : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون برفق كما قال تعالى في حق الكفار ( وجادِلهم بالتي هيَ أحسنُ ).
ـ قال بعض السلف : ما أغضبت أحداً فقبل منك.
ـ وكان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا قوماً على ما يُكره يقولون لهم : مهلاً مهلاً بارك الله فيكم.
ـ ورأى بعض التابعين رجلاً واقفاً مع امرأة فقال لهما : إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما.
ـ ودُعي الحسن إلى دعوة، فجيء بآنيةٍ فضةٍ فيها حلواء، فأخذ الحسن الحلواء فقلبها على رغيف وأكل منها، فقال بعض من حضر: هذا نهيٌ في سكون.
ـ ورأى الفضيل رجلاً يعبث في صلاته فزبره ، فقال له الرجل : يا هذا! ينبغي لمن يقوم لله أن يكون ذليلاً ، فبكى الفضيل وقال له : صدقت.
ـ وقال سفيان : لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث :
رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.

ـ وقال الإمام أحمد : الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلاً معلناً بالفسق فإنه لا حرمة له.
ـ وكان كثير من السلف لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا سراً فيما بينه وبين من يأمره وينهاه.

ـ وكذلك مقابلة الأذى بإلانة القول كما قال تعالى: (ادفعْ بالتي هيَ أحسنُ) وقال تعالى: (ويدرَؤُن بالحسنةِ السيئةَ أولئك لهم عُقْبى الدارِ) قال بعض السلف : هو الرجل يسبه الرجل فيقول له : إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك.

ـ قال رجل لسالم بن عبد الله وقد زحمت راحلتُه راحلتَه في سفر: ما أراك إلا رجل سوء. فقال له سالم: ما أراك أبعدت.
ـ وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مُرائي!. قال : متى عرفت اسمي ؟! ما عرفه أحد من أهل البصرة غيرك.

الثالثة منها وهي : الصلاة والناس نيام .
ـ فالصلاة بالليل من موجبات الجنة كما سبق ذكره في غير حديث، وقد دل عليه قول الله عز وجل : ( إنَّ المتقين في جناتٍ وعُيونٍ *آخذين مآ آتاهم ربُّهم إنهم كانوا قبلَ ذلك مُحسنين *كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون *وبالأسحارِ هم يستغفرون *وفي أموالِهم حقٌ للسائلِ والمحرومِ ) فوصفهم بالتيقظ بالليل، والاستغفار بالأسحار، وبالإنفاق من أموالهم.
ـ وكان بعض السلف نائماً فأتاه آتٍ في منامه فقال له: قم فصلِّ، أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل، هم خزانها هم خزّانها.
ـ وقيام الليل يوجب علوّ الدرجات في الجنة، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ومن الليل فتهجَّدْ به نافلةً لك عسى أنْ يبعَثك ربُّك مقاماً محموداً )، فجعل جزاءه على التهجد بالقرآن بالليل أن يبعثه المقام المحمود، وهو أعلى درجاته .
ـ قال عون بن عبد الله: "إن الله يدخل الجنة أقواماً فيعطيهم حتى يملّوا، وفوقهم ناس في الدرجات العُلى، فلما نظروا إليهم عرفوهم، فقالوا:ربنا إخواننا كنا معهم، فبم فضلتهم علينا ؟ فيقول: هيهات هيهات ! إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمئون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تخفضون".
ـ ويوجب أيضاً نعيم الجنة ما لم يطلع عليه العباد في الدنيا، قال الله عز وجل : ( فلا تعلم نفسٌ مآ أُخفِيَ لهم من قُرَّة أَعْيُنٍ جزآءً بما كانوا يعملون ). وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اقرءوا إن شئتم: ( فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِي لهم من قُرَّةِ أعيُنٍ جزاءً بما كانوا يعملون ) ".
ـ قال بعض السلف: أخفوا لله العمل فأخفى الله لهم الجزاء، فلو قدموا عليه لأقرّ تلك الأعين عنده.

ـ ومما يجزي به المتهجدين في الليل: كثرة الأزواج من الحور العين في الجنة، فإن المتهجد قد ترك لذة النوم ولذة التمتع بأزواجه طلباً لما عند الله عز وجل، فعوضه الله تعالى خيراً مما تركه وهو الحور العين في الجنة، ومن هنا قال بعض السلف: طول التهجد مهور الحور العين في الجنة.
ـ وكان لبعض السلف ورد من الليل فنام عنه ليلة، فرأى في منامه جارية كأن وجهها القمر ومعها رقٌ فيه كتاب، فقالت: أتقرأ؟.قال: نعم. فأعطته إياه ففتحه فإذا فيه مكتوب:
أألهتك لذةُ نَومةٍ عن خير عيشٍ *** مع الخيرات في غُرَفِ الجنان
تعيش مخلّداً لا موتَ فيه *** وتنعُمُ في الجنان مع الحِسان
تيَقّظ من منامك إن خيراً *** من النوم التهجُّدُ بالقرآن
فاستيقظ، قال: فوالله ما ذكرتها إلا ذهب عني النوم.
ـ وكان بعض الصالحين ربما نام في تهجده فتوقظه الحوراء في منامه فيستيقظ بإيقاظها، وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: ذهب بي النوم ذات ليلة في صلاتي، فإذا بها يعني: الحوراء تنبهني وتقول: يا أبا سليمان! أترقد وأنا أربي لك في الخدر منذ خمسمائة سنة؟!. وفي رواية عنه أنه نام ليلة في سجوده قال: فإذا بها ركضتني برجلها وقالت:
حبيبي أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم؟ بؤساً لعين آثرت لذة نومٍ على مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ، ولقي المحبون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد يا حبيبي وقرة عيني؟ أترقد عيناك وأنا أربي لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟ فوثب فزعاً من توبيخها له، قال: وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي.
ـ وسئل الحسن: لم كان المتهجدون أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لإنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
ـ وماذا عمن يعجز عن قيام الليل ؟
قيل لابن مسعود: ما نستطيع قيام الليل. قال: أبعدتكم ذنوبكم. وقيل للحسن: أعجزنا قيام الليل. قال: قيدتكم خطاياكم. إنما يؤهل الملوك للخلوة ومخاطبتهم من يخلص في ودادهم ومعاملتهم، فأما من كان من أهل مخالفتهم فلا يرضونه .
نسأل الله تعالى من فضله وأن يرزقنا وإياكم لذة مناجاته والشوق إلى لقائه .



الدعوات المذكورة في الحديث هي :
"اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يبلغني حبك "ـ هذا دعاء عظيم من أجمع الأدعية وأكملها ، فقوله : "أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات"يتضمن طلب كل خير وترك كل شر، فإن الخيرات تجمع كل ما يحبه الله تعالى ويقرب منه من الأعمال والأقوال من الواجبات والمستحبات، والمنكرات تشمل كل ما يكرهه الله تعالى ويباعد منه من الأقوال والأعمال، فمن حصل له هذا المطلوب حصل له خير الدنيا والآخرة ، وقد كان النبي صلى الله عايه وسلم يستحب مثل هذه الأدعية الجامعة ، قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك. خرجه أبو داود.
ـ قوله "حب المساكين"المسكين إذا أطلق يراد به غالباً من لا مال له يكفيه ، فإن الحاجة توجب السكون والتواضع ، بخلاف الغني فإنه يوجب الطغيان . وهم على قسمين:
أحدهما : من هو محتاج في الباطن وقد أظهر حاجته للناس .
والثاني : من يكتم حاجته ويظهر للناس أنه غني فهذا أشرف القسمين .
وقد مدح الله عز وجل هذا في قوله تعالى : ( للفقرآءِ الذين أُحْصِروا في سبيلِ الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسَبُهم الجاهلُ أغنيآءَ من التَّعفُّفِ تعرفُهم بسيماهم لا يسألون الناسَ إلحافاً )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين من لا يجد ما يغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه".
ـ ولكن قد يقال إن حب المساكين من جملة فعل الخيرات فلِم أفرده بالذكر ؟
ـ أفرده بالذكر لشرفه وقوة الاهتمام به، كما أفرد أيضاً ذكر حب الله تعالى وحب من يحبه وحب عمل يبلغه إلى حبه ، وذلك أصل فعل الخيرات كلها ، وقد يقال أنه طلب من الله عز وجل أن يرزقه أعمال الطاعات بالجوارح وترك المنكرات بالجوارح ، وأن يرزقه ما يوجب له ذلك ، وهو حبه وحب من يحبه وحب عمل يبلغه حبه ، فهذه المحبة بالقلب موجبة لفعل الخيرات بالجوارح ولترك المنكرات بالجوارح ، وسأل الله تعالى أن يرزقه المحبة فيه.
ـ فقد تضمن هذا الدعاء سؤال حب الله عز وجل وحب أحبابه وحب الأعمال التي تقرب من حبه والحب فيه ، وذلك مقتضى فعل الخيرات كلها.
ـ وتضمن ترك المنكرات والسلامة من الفتن، وذلك يتضمن اجتناب الشر كله، فجمع هذا الدعاء طلب خير الدنيا، وتضمن سؤال المغفرة والرحمة، وذلك يجمع خير الآخرة كله، فجمع هذا الدعاء خير الدنيا والآخرة.
ـ والمقصود أن حب المساكين أصل الحب في الله تعالى، لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبون إلا لله عز وجل و "الحب في الله من أوثق عرى الإيمان" ، و "من علامات ذوي حلاوة الإيمان" ، وهو "صريح الإيمان" ، وهو "أفضل الإيمان" ، وهذا كله مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف به الحب في الله تعالى ، وروي عن ابن عباس أنه قال : "به تنال ولاية الله، وبه يوجد طعم الإيمان".
ـ وحب المساكين قد وصى به النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من أصحابه، قال أبو ذر : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحب المساكين ، وأن أدنو منهم. خرجه الإمام أحمد. وخرج الترمذي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : "يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة". ويروى أن داود عليه السلام كان يجالس المساكين، ويقول: يا رب مسكين بين مساكين.
ـ وحب المساكين مستلزم لإخلاص العمل لله تعالى ، والإخلاص هو أساس الأعمال الذي لا تثبت الأعمال إلا عليه ، فإن حب المساكين يقتضي إسداء النفع إليهم بما يمكن من منافع الدين والدنيا ، فإذا حصل إسداء النفع إليهم حباً لهم والإحسان إليهم كان هذا العمل خالصاً ، وقد دل القرآن على ذلك ، قال عز وجل : (ويُطعِمون الطعام على حُبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نُطعمكم لوجهِ الله لا نريدُ منكم جزآءً ولا شُكوراً ) [الإنسان 8،9]
وقال عز وجل : ( ولا تطرُدِ الذين يدعون ربَّهم بالغَداةِ والعَشيِّ يُريدون وجهَهُ ما عليك من حِسابِهم من شيءٍ وما مِنْ حِسَابِك عليهم مِنْ شيءٍ فتطردَهم فتكون من الظالمين) [الأنعام : 54]. قال سعد بن أبي وقاص : نزلت هذه الآية في ستة : فيّ وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال، قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعاً لهم فاطردهم عنك. فأنزل الله عز وجل : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) الآية.
ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المرضى من مساكين أهل المدينة ويشيع جنائزهم ، "وكان لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين حتى يقضي حاجتهما"، وعلى هذا الهدي كان أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان .

ـ وروي عن أبي هريرة قال : كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنيه : أبا المساكين .وفي رواية : أنه كان يطعمهم ، وربما أخرج لهم عكة فيها العسل فشقوها ولعقوها.

ـ وكانت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين تسمى أم المساكين لكثرة إحسانها إليهم، وقد توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
ـ وقال ضرار بن مرة في وصف علي بن أبي طالب في أيام خلافته : كان يعظم أهل الدين، ويحب المساكين.
ـ ومر ابنه الحسن رضي الله عنهما على مساكين يأكلون ، فدعوه فأجابهم وأكل معهم ، وتلا : (إنَّه لا يُحبُّ المُستكبرين ) ثم دعاهم إلى منزله فأطعمهم وأكرمهم.
ـ وكان ابن عمر لا يأكل غالباً إلا مع المساكين ، ويقول : لعل بعض هؤلاء أن يكون ملكاً يوم القيامة.
ـ وجاء مسكين أعمى إلى ابن مسعود وقد ازدحم الناس عنده فناداه : يا أبا عبد الرحمن! آويت أرباب الخز واليمنية وأقصيتني لأجل أني مسكين. فقال له: أدنه. فلم يزل يدنيه حتى أجلسه بجانبه أو بقربه.

ـ ومن فضائل المساكين :

ـ أنهم أكثر أهل الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين" وقال عليه الصلاة والسلام : "تحاجت الجنة والنار، فقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين" وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الجنة ، فقال : "كل ضعيف متضعف".
ـ وهم أول الناس دخولاً كما صح عنه صلى الله عليه وسلم : "أن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين عاماً". وفي رواية: "أنهم يدخلون الجنة بنصف يوم، وهو خمسمائة سنة".
ـ وهم أول الناس إجازة على الصراط كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل : من أول الناس إجازة على الصراط ؟
فقال : "فقراء المهاجرين".
ـ وهم أول الناس وروداً الحوض كما قال عليه الصلاة والسلام : "أول الناس وروداً عليه: فقراء المهاجرين، الدنس الثياب والشعث رؤوساً، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد".
ـ وهم أتباع الرسل كما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام أن قومه عيروه باتباع الضعفاء له فقالوا : ( أنؤمنُ لك واتَّبعكَ الأرْذَلون ) ، وكذلك قال هرقل لأبي سفيان لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم : وهل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ فقال : بل ضعفاءهم . قال هرقل : هم اتباع الرسل.
ـ وهم أفضل من الأغنياء عند كثير من العلماء أو أكثرهم ، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة ، منها :

قول النبي صلى الله عليه وسلم حين مر به الغني والمسكين في المسجد : "هذا يعني: المسكين خير من ملء الأرض من مثل هذا يعني: الغني". وقد خرجه البخاري وغيره.
ـ ومنهم من لو أقسم على الله لأبره كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الجنة : "كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره". وفي رواية: "أشعث ذو طمرين" ، وفي رواية خرجها ابن ماجة : "أنهم ملوك الجنة" ، وفي الحديث المشهور : "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" خرجه الحاكم وغيره.
ـ قال ابن مسعود : كونوا جدد القلوب، خلقان الثياب، سرج الليل، مصابيح الظلام، تعرفون في أهل السماء، وتخفون على أهل الأرض.

ـ واعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة، منها:

ـ أنها توجب إخلاص العمل لله عز وجل، لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله عز وجل، لأن نفعهم لا يرجى غالبا فأما من أحسن إليهم ليمدح بذلك فما أحسن إليهم حباً لهم بل حباً لأهل الدنيا ، وطلباً لمدحهم له بحب المساكين.

ومنها : أنها تزيل الكبر، فإن المستكبر لا يرضى مجالسة المساكين كما سبق عن رؤساء قريش والأعراب ومن حذا حذوهم من هذه الأمة ممن تشبه بهم ، حتى إن بعض علماء السوء كان لا يشهد الصلاة في جماعة خشية أن تزاحمه المساكين في الصف. ويمتنع بسبب هذا الكبر خير كثير جداً ، فإن مجالسة الذكر والعلم يقع فيها كثيراً مجالسة المساكين ، فإنهم أكثر هذه المجالس ، فيمتنع المتكبر من هذه المجالس بتكبره .
ومنها : أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه، وفي المسند عن أبي هريرة أن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال له : "إن أحببت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم".
ومنها : أن مجالسة المساكين توجب رضى من يجالسهم برزق الله عز وجل، وتعظم عنده نعمة الله عز وجل عليه بنظره في الدنيا إلى من دونه.ومجالسة الأغنياء توجب السخط بالرزق، ومد العين إلى زينتهم وما هم فيه، وقد نهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال تعالى : (ولا تَمُدَّنَّ عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زَهْرَةَ الحياةِ الدنيا لنفتِنَهم فيه ورزقُ ربِّك خيرٌ وأبقى ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "انظروا إلى من دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
قال أبو ذر: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنظر إلى من دوني ولا أنظر إلى من فوقي، وأوصاني أن أحب المساكين وأن أدنو منهم.
وقد كان كثير من السلف يكتم حاجته ويظهر الغنى تعففاً وتكرماً ، منهم : إبراهيم النخعي كان يلبس ثياباً حسناء، ويخرج إلى الناس وهم يرون أنه تحل له الميتة من الحاجة.
ـ وكان بعض الصالحين يلبس الثياب الجميلة وفي كمه مفتاح دار كبيرة ولا مأوى له إلا المساجد ، وكان آخر لا يلبس جبة في الشتاء لفقره ، ويقول : بي علة تمنعني من لبس المحشو. وإنما يعني به الفقر.
ـ وكان بعكس هؤلاء من يلبس ثياب المساكين مع الغنى تواضعاً لله عز وجل ، وبعداً من الكبر كما كان يفعله الخلفاء الراشدون الأربعة وبعدهم عمر بن عبد العزيز ، وكذلك كان جماعة من الصحابة منهم : عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما رضي الله عنهم .
ـ وكان علي رضي الله عنه يعاتب على لباسه فيقول : هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
ـ وفي الترمذي عن النبيصلى الله عليه وسلم : "من ترك اللباس تواضعاً لله عز وجل وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها".
وإنما يذم من ترك اللباس مع قدرته عليه بخلاً على نفسه ، أو كتماناً لنعمة الله عز وجل ، وفي هذا جاء الحديث المشهور : "إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
ـ وكان كثير من الصحابة والتابعين يلبسون لباساً حسناً ، منهم : ابن عباس ، والحسن البصري. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يحب أن يكون لباسه حسناً ونعله حسناً ؟ قال : "ليس ذلك بالكبر، إنما الكبر بطر الحق وغمط الناس". يعني: التكبر عن قبول الحق والانقياد له ، واحتقار الناس وازدراءهم فهذا هو الكبر، فأما مجرد اللباس الحسن الخالي عن الخيلاء فليس بكبر، واحتقار الناس مع رثاثة اللباس كبر.
ـ قال أبو الحسين بن بشار : صوف قلبك ، والبس القوهي على القوهي . يعني : رفيع الثياب. فمتى أظهر الإنسان لباس المساكين لدعوى الصلاح ليشتهر بذلك عند الناس كان ذلك كبراً ورياء ، ومن هنا ترك كثير من السلف المخلصين اللباس المختص بالفقراء والصالحين ، وقالوا: إنه شهرة.
ـ ولما قدم سيار أبو الحكم البصرة لزيارة مالك بن دينار لبس ثياباً حسنة ثم دخل المسجد فصلى صلاة حسنة ، فرآه مالك ولم يعرفه فقال له : يا شيخ ! إني أرغب بك عن هذه الثياب مع هذه الصلاة. فقال له : يا مالك ! ثيابي هذه تضعني عندك أم ترفعني ؟! قال: بل تضعك. فقال : نِعم الثوب ثوب يضع صاحبه عند الناس ، ولكن انظر يا مالك لعل ثوبيك هذين يعني : الصوف أنزلاك عند الناس ما لم ينزلاك من الله . فبكى مالك وقام إليه واعتنقه ، وقال له : أنشدك الله أنت سيار أبو الحكم ؟ قال: نعم.
فلهذا كره من كره من السلف كابن سيرين وغيره لباس الصوف حيث صار شعار الزاهدين، فيكون لباسه إشهاراً للنفس ، وإظهاراً للزهد .
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يلبس ما وجد ، فتارة يلبس لباس الأغنياء من حلل اليمن وثياب الشام ونحوها ، وتارة يلبس لباس المساكين فيلبس جبة من صوف أحياناً، وأحياناً يتزر بعباءة ويهيئ إبل الصدقة، يعني أنه يطلبها بيده ويصلحها كما يفعل أرباب الإبل بها، ولم يبعث الله نبياً من أهل الكبر، وإنما بعث من لا كبر عنده، ولا يتكبر عن معالجة الأشياء التي يأنف منها المتكبرون كرعاية الإبل والغنم، وإجارة نفسه عند الحاجة إلى الاكتساب. ومن أعطاه الله منهم ملكاً فإنه لم يزل دأبه تواضعاً لله عز وجل كداود وسليمان ومحمد. صلى الله عليهم وسلم تسليماً كثيراً.
ـ وقد يطلق اسم المسكين ويراد به من استكان قلبه لله عز وجل ، وانكسر له وتواضع لجلاله وكبريائه وعظمته وخشيته ومحبته ومهابته .
و خُير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبياً ملكاً أو عبداً رسولاً، فأشار إليه جبريل أن تواضع. فقال : "بل عبداً رسولاً".
ـ وكان بعد ذلك لا يأكل متكئاً ، ويقول : "آكل كما يأكل العبد. وأجلس كما يجلس العبد".
ـ قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فأعطاني الله لذلك أن جعلني شيد ولد آدم ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وأول من تنشق عنه الأرض".
فمن انكسر قلبه لله عز وجل واستكان وخشع وتواضع جبره الله عز وجل، ورفعه بقدر ذلك، وفي الأثر المشهور : أن الله عز وجل قال لموسى على نبينا وعليه السلام حين سأله : أين أجدك ؟. قال : عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ، فإني أدنو منهم كل يوم باعاً ولولا ذلك لانهدموا.
ـ فالمسكين في الحقيقة من استكان قلبه لربه وخشع من خشيته ومحبته ، ولا يكون المسكين ممدوحاً بدون هذه الصفة ، فإن من لم يخشع قلبه مع فقره وحاجته فهو جبار، وهو إما عائل مستكبر أو فقير مختال، وكلاهما لا ينظر اله إليه يوم القيامة ، فالمؤمن من يستكين قلبه لربه ويخشع له ويتواضع ، ويظهر مسكنته وفاقته إليه في الشدة والرخاء ، أما في حالة الرخاء فإظهار الشكر وأما في حال الشدة فإظهار الذل والعبودية والفاقة والحاجة إلى كشف الضر .
ـ ومما يشرع فيه التمسكن لله عز وجل حال الصلاة كما في حديث الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتخشع، وتضرع، وتمسكن، وتقنع يديك يقول : ترفعهما ،ويقول : يا رب ثلاثاً ، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج".
خرجه الترمذي وغيره.
ـ وكذلك يشرع إظهار المسكنة في الدعاء ، وخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة ، ويداه إلى صدره كاستطعام المسكين. ومن حديثه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه عشية عرفة : "أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق ، المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليه ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير".
ـ وكان بعض السلف يجلس بالليل مطرقاً رأسه، ويمد يديه وهو ساكت كحال المسكين المستعطي. وقال طاوس: دخل علي بن الحسين الحجر ليلة فصلى، فسمعته يقول في سجوده : عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك.
قال طاووس : فحفظتهن ، فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عني.

ـ قوله "وأن تغفر لي وترحمني "
المغفرة والرحمة يجمعان خير الآخرة كله ، لأن المغفرة ستر الذنب مع وقاية شره ، وقد قيل: إنه لا تجتمع المغفرة مع عقوبة عليه . وهذا بخلاف العفو، فإنه يكون تارة قبل العقوبة وتارة بعدها.
ـ وأما الرحمة : فهي دخول الجنة وعلو درجاتها، وجميع ما في الجنة من النعيم بالمخلوقات، ومن رضى الله عز وجل وقربه ومشاهدته وزيارته فإنه من رحمة الله تعالى، وفي الحديث الصحيح : " إن الله عز وجل يقول للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي " . فكل ما في الجنة فهو من رحمة الله عز وجل ، وإنما تنال برحمته لا بالعمل كما قال صلى الله عليه وسلم : " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله " . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟!. قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " .

ـ قوله صلى الله عليه وسلم : " وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون "المقصود من هذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته ، فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها ، وهذا من أهم الأدعية فإن المؤمن إذا عاش سليما من الفتن ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر وما بطن. وفي حديث آخر : " وجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن " .
وكان يخص بعض الفتن العظيمة بالذكر، فكان يتعوذ بالله في صلاته من أربع ، ويأمر بالتعوذ منها : " أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال " .
ففتنة المحيا تدخل فيها فتن الدين والدنيا كلها، كالكفر والبدع والفسوق والعصيان.
وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريبا من فتنة الدجال.
ثم خص فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها، فإنه لم يكن في الدنيا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.ـ والدعاء بالموت خشية الفتنة في الدين جائز، وقد دعا به الصحابة والصالحون بعدهم، ولما حج عمر رضي الله عنه آخر حجة حجها استلقى بالأبطح ثم رفع يديه وقال: اللهم إنه قد كبرت سني، ورق عظمي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون. ثم رجع إلى المدينة فما انسلخ الشهر حتى قتل رضي الله عنه.
ودعا علي ربه أن يريحه من رعيته حيث سئم منهم فقتل عن قريب.
ودعت زينب بنت جحش لما جاءها عطاء عمر من المال فاستكثرته وقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعدها ، فماتت قبل العطاء الثاني.
ولما ضجر عمر بن العزيز من رعيته حيث ثقل عليهم قيامه فيهم بالحق طلب من رجل كان معروفا بإجابة الدعوة أن يدعو له بالموت، فدعا له ولنفسه بالموت فماتا.
ودعي طائفة من السلف الصالح إلى ولاية القضاء ، فاستمهلوا ثلاثة أيام فدعوا لأنفسهم بالموت فماتوا.
ـ واطلع على حال بعض الصالحين ومعاملاته التي كانت سرا بينه وبين ربه ، فدعا الله أن يقبضه إليه خوفا من فتنة الاشتهار فمات. فإن الشهرة بالخير فتنة كما جاء في الحديث: " كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع، فإنها فتنة " .
ـ وكان سفيان الثوري يتمنى الموت كثيرا فسئل عن ذلك، فقال : ما يدريني! لعلي أدخل في بدعة، لعلي أدخل فيما لا يحل لي، لعلي أدخل في فتنة، أكون قد مت فسبقت هذا.
ـ واعلم أن الإنسان لا يخلو من فتنة ، قال ابن مسعود : لا يقل أحدكم أعوذ بالله من الفتن، ولكن ليقل : أعوذ بالله من مضلات الفتن. ثم تلا قوله تعالى : (إنمآ أموالكم وأولادكم فتنة) التغابن: 15.
يشير إلى أنه لا يستعاذ من المال والولد وهما فتنة ، وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تقول : " اللهم رب محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أبقيتني " .
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء والأموال فتنة ، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وفيه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال : " والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم " .
ـ وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " .
وفي الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال " .
وقد قال الله عز وجل : (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا) الفرقان: 20، فالرجل فتنة للمرأة، والمرأة فتنة للرجل، والغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، والفاجر فتنة للبر، والبر فتنة للفاجر، والكافر فتنة للمؤمن، والمؤمن فتنة للكافر كما قال تعالى: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوآ من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) الأنعام: 53،
وقال عز وجل : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) الأنبياء: 35، فجعل كل ما يصيب الإنسان من شر أو خير فتنة، يعني أنه محنة يمتحن بها، فإن أصيب بخير امتحن به شكره، وإن أصيب بشر امتحن به صبره.
ـ وفتنة السراء أشد من فتنة الضراء، وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : بلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر. وقال بعضهم : فتنة الضراء يصبر عليها البر والفاجر، ولا يصبر على فتنة السراء إلا صِدّيق.
ـ ثم أن المؤمن لا بد أن يفتن بشيء من الفتن المؤلمة الشاقة عليه ليمتحن إيمانه كما قال الله تعالى : (ألم " أحسب الناس أن يتركوآ أن يقولوآ آمنآ وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت: 13، ولكن الله يلطف بعباده المؤمنين في هذه الفتن، ويصبرهم عليها ويثبتهم فيها، ولا يلقيهم في فتنة مهلكة مضلة تذهب بدينهم، بل تمر عليهم الفتن وهم منها في عافية.
ـ وأما الفتن المضلة التي يخشى منها فساد الدين فهي التي يستعاذ منها، ويسأل الموت قبلها، فمن مات قبل وقوعه في شيء من هذه الفتن فقد حفظه الله تعالى وحماه، وفي المسند عن محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" اثنتان يكرههما ابن آدم : يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتن، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب " .



ـ قوله صلى الله عليه وسلم : " وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يبلغني حبك "هذا الدعاء يجمع كل خير، فإن الأفعال الاختيارية من العباد إنما تنشأ عن محبة وإرادة ، فإن كانت محبة الله ثابتة في قلب العبد نشأت عنها حركات الجوارح فكانت بحسب ما يحبه الله ويرتضيه ، فأحب ما يحبه الله عز وجل من الأعمال والأقوال كلها ، ففعل حينئذ الخيرات كلها وترك المنكرات كلها ، وأحب من يحبه الله من خلقه ، وهذا الدعاء كانت الأنبياء عليهم السلام يدعون به كما في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن داود عليه السلام كان يقول :
" اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يبلغني إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد " .
وفيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو :
" اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يبلغني إلى حبك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب " .
ـ ومن كان همه طلب محبة الله عز وجل أعطاه الله فوق ما يريده من الدنيا تبعا ، قال بعض السلف: لما توفي داود عليه السلام أرسل الله عز وجل إلى سليمان عليه السلام: ألك حاجة تسألني إياها ؟. فقال سليمان : أسأل الله أن يجعل قلبي يحبه كما كان قلب أبي داود يحبه، وأن يجعل قلبي يخشاه كما كان قلب أبي داود يخشاه. فشكر الله له ذلك وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.

ـ ومحبة الله تعالى على درجتين:
إحداهما : واجبة، وهي المحبة التي توجب للعبد محبة ما يحبه الله من الواجبات ، وكراهة ما يكرهه من المحرمات، فإن المحبة التامة تقتضي الموافقة لمن يحبه في محبة ما يحبه، وكراهة ما يكرهه خصوصا فيما يحبه ويكرهه من المحب نفسه فلا تصح المحبة بدون فعل ما يحبه المحبوب من محبة، وكراهة ما يكرهه المحبوب من محبة.
وأنشد بعضهم:
تعصى الإله وتزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع.
ومتى أخل العبد ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه غير تامة، فالواجب عليه المبادرة بالتوبة، والاجتهاد في تكميل المحبة المفضية لفعل الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . فإن الإيمان الكامل يقتضي محبة ما يحبه الله، وكراهة ما يكرهه الله عز وجل والعمل بمقتضى ذلك، فلا يرتكب أحد شيئا من المحرمات أو يخل بشيء من الواجبات إلا لتقديم هوى النفس المقتضي لارتكاب ذلك على محبة الله تعالى المقتضية لخلافه.
ـ الدرجة الثانية من المحبة : درجة المقربين، وهي أن يمتلئ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل، والاجتهاد فيها، وكراهة المكروهات، والانكفاف عنها، والرضا بالأقضية والأقدار المؤلمة للنفوس لصدورها عن المحبوب، كما قال عامر بن قيس: أحببت الله حبا هون علي كل مصيبة، ورضاني بكل بلية، فلا أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت عليه ولا على ما أمسيت.
وقال عمر بن عبد العزيز لما مات ولده الصالح : إن الله أحب قبضه، وإني أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور يخالف محبة الله.
أقل ثمن المحبة بذل الروح ، قال بعض العارفين: إن كنت تسمح ببذل روحك في هذه الطريق، وإلا فلا تشتغل بالترهات.

ـ ومن لوازم محبة الله :
أولا : محبة ما يحبه الله عز وجل من الأشخاص والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وأعظم من تجب محبته في الله تعالى أنبياؤه ورسله، وأعظمهم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي افترض الله على الخلق كلهم متابعته، وجعل متابعته علامة لصحة محبته كما قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران: 31، وتوعد من قدم محبة شيء من المخلوقين على محبته ومحبة رسوله ومحبة الجهاد في سبيله في قوله تعالى : (قل إن كان آبآؤكم وأبنآؤكم وإخوآنكم وأزوآجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونهآ أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا) التوبة: 24.
ووصف المحبين له باللين للمؤمنين من الرأفة بهم والرحمة والمحبة لهم، والشدة على الكافرين من البغض لهم والجهاد في سبيله ، فقال تعالى : (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم) المائدة: 54.
ـ ثانيا : محبة ما يحبه الله تعالى من الأعمال وبها يبلغ إلى حبه، وفي هذا إشارة إلى أن درجة المحبة لله تعالى إنما تنال بطاعته وبفعل ما يحبه، فإذا امتثل العبد لأوامر مولاه وفعل ما يحبه أحبه الله تعالى ورقاه إلى درجة محبته كما في الحديث الإلهي الذي خرجه البخاري: " وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عندي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " . فأفضل ما تستجلب به محبة الله عز وجل فعل الواجبات، وترك المحرمات، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات وجدان حلاوة الإيمان أن يكره أن يرجع إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار.
ـ ومن أعظم ما تحصل به محبة الله تعالى من النوافل : تلاوة القرآن، وخصوصا مع التدبر، قال ابن مسعو د: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فمن أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله.
ـ ومن الأعمال التي توصل إلى محبة الله تعالى وهي من أعظم علامات المحبين :كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان، قال بعضهم : ما أدمن أحد ذكر الله إلا وأفاد منه محبة الله تعالى.
وقال ذو النون: من أدمن ذكر الله قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه.
وقال بعض التابعين: علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لن تحب شيئا إلا أكثرت ذكره.
ـ ومن علامات المحبين لله وهو ما يحصل به المحبة أيضا حب الخلوة بمناجاة الله تعالى، وخصوصا في ظلمة الليل .
إخواني! مجالس الذكر شراب المحبين، وترياق المذنبين (قد علم كل أناس مشربهم)
مجالس الذكر مآتم الأحزان، فهذا يبكي لذنوبه، وهذا يندب لعيوبه، وهذا يتأسف على فوات مطلوبه، وهذا يتلهف لإعراض محبوبه، وهذا يبوح بوجده، وهذا ينوح على فقده .

تم بحمد الله وتوفيقه .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

منظر من اليمن

منظر من اليمن

من أنا

صورتي
أنا قلب ينبض بالحب ويزهر بالعطاااااااااء ... أنا شوق تعدى حدود المجرة والفضاااااء..... أنا من تحبكم في الله ...

المتابعون

المتواجدون الآن

اشتياقي لك غريب

وصف المدونة

مدونة ضمنتها قطوف من الفوائد وروائع الكلم لتكون واحة غناء يستظل بها زائرها فيستنشق من عبيرها كل ماهو مفيد وممتع .سائلة المولى الإخلاص والقبول
قال ابن القيم : إياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك،فإنه يُفسدها عليك فسادا يصعب تداركه ويُلقي إليك أنواع الأفكار المُضرة ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك،وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك . .

إحصائيات المدونة